English    

 

 

 

 

كنت ولكن

جريدة الأسواق / حوار فؤاد حسين
السبت 3 شباط 1996

الفريق الركن مشهور حديثة الجازي
كنت جنديا في سن الرابعة عشرة .. ولكن أصبحت رئيسا لهيئة الأركان

صفحة تستضيف في كل حلقة من حلقاتها ، رمزا من رموز حياتنا السياسية, الثقافية، الفكرية، الأدبية والاجتماعية، تحاوره في ماضيه، تناقشه في الحاضر والمستقبل ، تقف معه عند محطات مهمة عايشها، سواء ساهم في صنعها، أو كان أحد الشهود عليها لنطل على الماضي بنظرة نقدية تقييمية، ونستشرق معه آفاق المستقبل. ننقل له بكل أمانة ما يدور حول دورة في الحياة العامة دون أن نتبنى ذلك، ودون حرج في طرحة عليه فغايتنا محاولة الوصول إلى الحقيقة، بعيدا من محاولة تلميع ضيوفنا، أو تشويههم. لعلنا نستطيع الوصول سوية إلى ضالتنا في معرفة حقيقة ما جرى لنتبين واقع حياتنا لنغدو قادرين على تخطيط مستقبلنا.

"عندما اتخذ الحسين قرار التعريب أسندت إلي مهمة حراسة كلوب حتى رحل جلالة الملك اهتم شخصيا بعد حرب 67 بإعادة بناء الجيش على أسس قوية تمكنه من الدفاع عن الوطن"

الأسواق : هل لنا بإطلاله على طفولكتم وكيف أسهمت في التحاقكم بسلك العمل العسكري؟

منذ نعومة أظفاري وأنا أرى والدي بالجيش " قوات البادية باللباس العربية والكوفية الحمراء المسدس المشدود والى الحزام الذي يحمل العتاد، فعلقت بذهني هذه الخدمة خاصة وأنني واصلت التنقل مع والدي من مخفر إلى مخفر في المفرق والاجفايف والاجفور والرويشد والموقر وضواحي عمان. وظل حبي للخدمة في الجيش في قلبي وكان طموحي أن أكون جنديا من جنود البادية، وكنت اذهب من وقت إلى أخر إلى مضارب العشيرة في الجنوب حين كان والدي في الشمال وذلك في العطل المدرسية، وعندما خرج والدي من الجيش سنة 1942 أخذت ابحث عن كيفية دخولي في الخدمة. وتصدف في يوم من الأيام قيام كلوب باشا بزيارة إلى جدي حمد بن جازي رحمه الله في الرشادية، وكان عمري حينذاك أربع عشرة سنة، فهمست باذن جدي وقلت له أريد أن ادخل الجيش فتوسط لدى كلوب باشا لأنني كنت صغير السن فاستجاب كلوب لطلب جدي، واصطحبني معه في الصباح إلى مدينة عمان، وهكذا دخلت الخدمة في قوات البادية في منطقة البادية التي كان يقودها المرحوم عاهد السخن، وتلقيت التدريب الأول في الجفر حيث مقر مدرسة المشاة ثم انتقلت إلى المفرق ومكثت هناك حوالي السنة حيث اصبحا كاتبا للمقاطعة واستطعت أن اثبت وجودي وشخصيتي من تلك اللحظة حيث أصبحت ما يشبه بقائد للمجموعة بما فيهم قائد المقاطعة كانوا أميين وأنا الوحيد الذي كنت اقرأ واكتب واستلم الرسائل الهاتفية والتي كانت تأتينا من عمال أقوم ببعض أعمال الترجمة بيننا وبين معسكرات الجيش البريطاني التي كانت تزودنا بالأرزاق وتعرفت أثناء خدمتي في قوات البادية على كثير من أفراد القوات المسلحة آنذاك وكان معظمهم يعمل في سرايا المشاة المسلحة والتي كانت تخدم في فلسطين مما غرس في ذهني حب الخدمة في فلسطين وكلما كنت أتقدم بطلب نقل مع القوات لفلسطين، كان يمنعني من ذلك قائد المنطقة لأنهم يحبونني كثيرا ولا يريدون أن انتقل من هذا الموقع إلى موقع أخر، إلى أن استقر بي المقام في رم حيث مكثت ستة اشهر نال الأردن خلالها استقلاله وتم تنصيب جلالة الملك عبد الله ملكا على الأردن. وخلال هذه الفترة تم اختياري مع فئة من زملائي البدو وبعض الحضر لحضور دورة متقدمة في الموقع الذي اصبح الان الكلية الحربي في العبدلي لمدة سنتين حيث حصلت على التوجيهي مع التوجيهي العام في الأردن واستمريت في الخدمة والتدريب العسكري مع التدريب الثقافي حتى أوائل عام 1948، وبعدها انتقلت إلى الكتيبة الثاني مشاة والتي كانت تعسكر في اربد ودخلت للمرة الأولى لفلسطين في أوائل الـ 48 وقبل الانتداب بحوالي شهر. وأول مرة أرى اليهود بعيني عندما اصطدمنا معهم في كفر عصيون بمعركة استمرت ثماني ساعات تقريبا أصبت خلالها بجرح بسيط في يدي، وشارك في المعركة المرحوم عبد الله التل وهذه المعركة أبقتني في ما بعد مشدودا لما يحدث في فلسطين، وحبي لفلسطين بدأ من تلك اللحظة عندما وجدت أن هذا الوطن العزيز مغتصب من قبل الصهيونية العالمة. وحيث دخلنا مرة ثانية فلسطين للحرب كنت مرشح ضابط وقائد فصيل ولم يتسنى لنا في هذه المرة مقاتلة اليهود فتساءلت وأثناء وجودنا في قرية بيتونيا جنوب رام الله وقلت لمساعد قائد السرية رحمة الله لماذا نحن هنا فإذا أردنا أن نقاتل اليهود أو ندافع عن موقعها فهذا ليس بالمكان الصحيح من الناحية العسكرية ففئتي داخل صور حجارة لا يصلح موقعا للدفاع، فنقلت هذه الصورة إلى قائد اللواء الثالث الضابط البريطاني فقرر اشنتون إعادتي إلى اربد فورا، ومنعت من الالتحاق الكتيبة حتى الهدنة الأولى ، ثم التحقت الكتيبة وأصبحت قائد سرية بعد وصول لمرتبة ملازم أول، ثم انتخبت أيضا مع المنتخبين الجدد لنكمل دراستنا الإنجليزية في بريطانيا، ومكثت هناك حوالي سنتين وعدت عام "52" حيث التحقت بكتيبة المدرعات الثانية، واستطعت التدرج في المناصب حتى أصبحت مساعدا ثم قائدا للكتيبة عندما تم تعريب الجيش.

واستطعت أن اقفز قفزة كبيرة حتى أصبحت قائدا للمجموعة الأولى من المدرعات والدبابات وهي مجموعة لواء تطورت وأصبحت اللواء الأربعين ثم مساعدا لقائد الكتيبة الإنجليزي آنذاك حتى حوادث تمبلر المشهورة سنة 1954 ، ومنذ ذلك الوقت تزعزعت الثقة كثيرا بيننا وبين الإنجليز، وأدرك جلالة الملك خطورة ذلك الموقف وضرورة اتخاذ إجراءات تجعل من هذا الجيش فعلا جيشا عربيا، وكان يشاع آنذاك بين أوساط الجيش خاصة الحضريين أن البدو مخلصون للإنجليز اكثر من إخلاصهم للملك، وقد سئلت ليلا من قبل أحد الزملاء الذين كانوا مقربين من المرحوم علي أبو نوار ومن قبل زملائي المقربين من القصر هل أنت معنا أم ضدنا ، فقلت أنا مع البلد مع جلالة الملك ومع التعريب وضد وجود الإنجليز وأسندت إلى مهمة حراسة كلوب بمنزله وقد وضعت عليه وتم نقله تحت الحراسة من منزله في جبل عمان حتى المطار العسكري وهكذا برهنا على أن البدو ليسوا مجندين من قبل الإنجليز، البدو هم أصالة العرب واصل الأردنيين والذين هم فعلا أول من ساهموا في تحرير هذا الوطن من جنوبه إلى شماله، هكذا كانت حادثة التعريب ، واستمريت قائدا لكتيبة المدرعات الثانية حتى تم تشكيل الدروع وأصبحت قائدا للواء الأربعين ثم قائدا للجبهة الشرقية التي كانت تضم الدروع وثلاثة ألوية مشاه. وكانت مسئوليتي تمتد من العقبة حتى وادي البارد وشرقا حتى الاجفور، هكذا كانت مسئوليتي في تلك الفترة، وبقيت هكذا حتى اندلعت حرب حزيران.

الأسواق : قبل أن نتحدث عن حرب حزيران ، ماذا كان دورك في المحاولة الانقلابية للمرحوم علي أبو نوار ؟

في عام 1958 اتهم علي أبو نوار بأنه يحاول تدبير انقلاب، وسلطت الأضواء علينا جميعا بما فيه أنا مع أنني أنا من خارج صف البادية وأخذت الشكوك تحوم حولي بأنني من المساندين لعلي أبو نوار ، والحقيقة أن مساندتي هي للوطن وليست لعلي أبو نوار، مساندتي لتعريب الجيش، وبقيت هكذا حتى أوائل الـ 58 ومن ثم أرسلت لإكمال دراستي في كلية الأركان في الباكستان وعندما عدت وجدت الجو نفسه الذي تركته سنة 57 ووجدت أن معظم زملائي الذين كنت أتعامل معهم في السجن بتهمة تدبير انقلاب مع علي أبو نوار وحاول البعض أن يسلطوا الأضواء علي فتم انتخابي عضوا في محكمة أمن الدولة لمحاكمتهم وعلى رأسهم صادق الشرع، طبعا لم اكن راغبا بهذا المنصب، وعندما تقرر ذلك حاولنا قدر الإمكان أن نخفف الادعاءات ولكن الأدلة التي قدمت ضد المنتمين من قبل الأجهزة الأمنية إدانتهم، وقد كانت هذه المحاكمة محاكمة لي شخصيا لأنهم زملائي ولأنني اكره أن أراهم في السجن وان أعاقبهم أيضا ، وقد كان رئيس المحكمة المرحوم سامي شمس الدين وعضو المحكمة الأيمن العقيد مصطفى الخصاونة وأنا العضو الأيسر.

الأسواق: ما هو رأيكم الشخصي ؟

تكلمت اكثر من مرة مع جلالة الملك شخصيا وقلت له انه لا وجود لهذه المؤامرة، واعتقد أن الهدف كان إبعاد هذه الفئة عن جلالة الملك وتدخلت بهذه الدسيسة كافة المخابرات الأجنبية.

الأسواق : أثناء محاكمة صادق الشرع قلت انك حين قبلت أوراق القضية لم تجد أدلة لمحاولة انقلابية فماذا فعلت ؟

بعد الحكم بمدة وفي جلسات عادية وخاصة في أوائل السبعينات ذكرت أن ما اسند من تهم لصادق الشرع لم يكن لها أساس، ولكن ذلك لم يكن يستقبل بترحاب.

الأسواق : هل قرارك القضائي في القضية سجلته خطيا باعتراضك على إدانتهم؟

لا القرار كان جماعيا لان المحققين ابرزا كل الشهود واثبتوا انهم قاموا بهذا العمل، فما كان أمامنا إلا إدانتهم لكن القناعة الذاتية كانت انهم جميعا أبرياء.

الأسواق : وبعد هذه الحادثة .. كيف اصبح وضعك في الجيش ؟

اثبت وجودي كضابط ناجح واستطعت أن اقفز قفزات كبيرة في الترقي لرتبة عقيد ثم لرتبة عميد، ولواء الأربعين ثم تشكيله من كتيبة المدرعات التي كنت أقودها وكتيبتي المدرعات الثانية الكتيبة الأولى مشاه وكتيبة المدرعات الرابعة، وقد أعطيت جهدا كبيرا لتدريب هذا اللواء تدريبا صحيحا على كافة أنواع القتال. حتى اصبح هذا اللواء حقيقة من خيرة ألوية الجيش ولا أبالغ إذا قلت من خيرة الجيوش العربية في ذلك الوقت، عندها نسبت قائدا للجبهة واصبح اللواء يقوده شخص اخر وتم تسليمه إلى أحد أولاد عمي المرحوم المقدم راكان الجازي، وتقدمت حينها باقتراح إدخال لوائي الدروع إلى فلسطين لأننا سنلاقي حرب مدرعات ولا نستطيع أن نتحرك إذا بقينا في الضفة الشرقية، لقد لاقيت معارضة شديدة من قبل بعض القادة إلا أن جلالة الملك كان بجانب هذا الرأي وتقرر إرسال اللواء ولكنة مع الأسف دخل أثناء الحرب حيث كانت نتفرد به الطائرات كما كنت أتخيل لان السيادة الجوية كانت كليا لإسرائيل، وتم الاصطدام الأول على محور جنين محور نابلس وقد قاتل هذا اللواء قتالا ضاريا وكان تدريبه عاليا بشهادة الأعداء، ومع كل أسف ألحقت به أضرار كثيرة جدا نتيجة فقدان الغطاء الجوي، وتم تقريبا تدمير اللواء تدميرا كاملا وعادت أشلاء اللواء إلى، وبما أنني كنت أعسكر في منطقة زي بالسلط كنت أتلقى العائدين من لوائي وبقية الألوية وخلال ذلك كان يزورني جلالة الملك زيارات مستمرة وكنا نجلس ونتحدث عن كيفية إعادة بناء الجيش، وطلب منى هو شخصيا أن أعيد بقايا الجيش العائد من الألوية والكتائب ليصبح جيشا دفاعيا جيشا قويا يدافع عن الوطن، وقمت بهذه المهمة بأحسن ما يمكن، وقد قمت بإعادة تدريب الجيش وتسليحه بالسلاح المتوفر وتدريبه تدريبا مكثفا لعلمي أننا سنقابل اليهود وستقاتلنا إسرائيل في يوم من الأيام ولكن لم أتوقع هذه المقابلة في الكرامة.

الأسواق : في تلك الفترة ماذا كان موقعك العسكري وأين كنت ؟

كنت قائدا للجبهة الشرقية، متمركزا في زي ثم أصبحت قائدا للفرقة الأولى التي كانت حدودها من نهر الزرقاء حتى العقبة كل الجبهة والفرقة الثانية كانت تشرف على المنطقة الممتدة من سيل الزرقاء حتى شمال النهر البارد وكان يقودها المرحوم عاطف المجالي وألحقت الدروع وما تبقى من لواء الأربعين واللواء الستين إلى الفرقة الأولى واعدنا التنظيم إعادة سريعة وأصلحنا الدروع واعدنا الأفراد والعائدين من الجبهة وكانت معنوياتهم متدنية جدا ومن هؤلاء الناس أعدت بناء الفرقة مرة أخرى وفرضت عليهم القتال حتى باتوا واثقين بسلاحهم وقيادتهم، عندها تم تدريبهم تدريبا مكثفا وكنت ادفع بهم إلى دوريات لداخل الحدود الإسرائيلية وكنت ادفع بهم إلى دوريات لداخل الحدود الإسرائيلية وكنت افتعل حوادث كثيرة مع إسرائيل بقصد تطعيم جنودي في القتال وهذا أعاد لهم الثقة بالنفس. وفي هذه الأثناء ظهرت الحركة الفدائية الفلسطينية على الساحة، للمرة الأولى تظهر طلائع في غور الأردن وقد أرسلت ضباطي وقلت لهم أرجو أن تحضروا لي رموزا من هذه الطلائع لأرى ما هذه الظاهرة بعد الحرب وبعد الخسارة, فوجدت أنها ظاهرة جديدة، بينهم الطبيب والمهندس والمفكر والجامعي أي انهم ثوار متعلمون ومثقفون.

وأول من قابلت كان المرحوم أبو صبري مع مجموعة معه وتحاورت معهم حوارا طويلا اقتنعت بعدها أن هؤلاء الناس يحاربون عن عقيدة ولا يريدون أي شئ من الأردن سوى مقاتلة اليهود، لقد شدني هذا وتعاطفت كثيرا مع الحركة وحتى لا أكون غريبا لوحدي اطلعت جلالة الملك شخصيا على ما يحدث وتم اجتماع عندي في القيادة في السلط بين هؤلاء الناس وبين أبو صبري وفئة معه وأخيرا بيننا وبين أبو عمار وتحدثوا طويلا مع جلالة الملك ووجدت انه اقتنع كثيرا في نهجهم، ومن هنا نمت العلاقة بيننا كمقاتلين في الجيش العربي وبين الحركة الفدائية التي كانت ضعيفة آنذاك. فأصبحت لهم قواعد وتم التنسيق أكثر من مرة بيننا وبينهم على أن يكونوا ضمن حدود الجيش والقوات المسلحة لنتمكن من حمايتهم من القصف المعادي وعندما أظهرت مشاعري الصادقة تجاه دعم الحركة الفدائية لصالح الوطن لصالح الأردن ولصالح فلسطين، أخذت الأحقاد تلعب من قبل مدسوسين حيث تضايقوا كثيرا مما يحدث واصبحوا يتهمونني بالتعاطف مع الفدائيين على حساب الأردن ولكنني اثبت لهم عكس ذلك في المعارك والمناوشات القتالية التي جرت بيننا وبين إسرائيل ولكن للأسف هذه الأحقاد ضخمت وأصبحت هناك دسائس ضد هذه الحركة وضدي شخصيا، لم تطل الأيام حتى قررت إسرائيل أن تقوم بعملية عسكرية كبيرة لضرب الفدائيين وضرب القوات الأردنية لإضعافهم، طبعا اليهود لم تكن في حسبانهم أننا سنقاتل بشراسة في معركة الكرامة.

وكما هو معلوم قامت القوات الإسرائيلية بحشد قوات كبيرة تقدر بأكثر من فرقتين بين دروع ومشاة وقوات منقولة إضافة إلى سيطرة جوية مطلقة ، وقبل وقوع المعركة كان تقديري أنها واقعة لا محالة لذلك قمت بالتنسيق التام مع المقاتلين الفلسطينيين وطلبت منهم الانتشار في مناطق تضمن حماية الجيش ما عدا مخيمات اللاجئين في الكرامة، وفعلا تم الهجوم الخاطف الكبير من قبل إسرائيل مجللا بغرور العظمة، ولا غرابة في ذلك خاصة وانهم انتصروا على سبعة جيوش عربية في سبع ساعات وكنت عشية المعركة قد قمت بجولة على الجبهة وبتغيير بعض المراكز ونمت مبكرا بعد أن اتخذت كافة الإجراءات القتالية لملاقاة وصد الهجوم بعد أن أعددت المقاتلين إعدادا خاصا لأنه من الصعب على المقاتل المهزوم أو الضابط المهزوم أن يقاتل مرة ثانية، لكنى خالفت هذه الفكرة وقاتلت بنفس الجنود وبنفس الضباط الموجودين وصمدوا في المعركة ، وفي الساعة الخامسة من ذلك الصباح أبلغني الضابط المناوب في قيادة الفرقة أن أول دبابة بدأت تقطع جسر الملك حيث نهضت من النوم وأديت صلاة الفجر ودعوت الله سبحانه وتعالى قائلا : اللهم تعلم يا ربي اننا ندافع عن حق فانصرنا عليهم، وبعد ذلك أعطيت تعليماتي لفتح النار لكافة الأسلحة.

الأسواق : قرار القتال كيف اتخذ ؟

لم ارجع لأحد لأنني أدافع عن وطن وأنا معطى مسؤولية لم اعد لأحد ولكنني أبلغتهم بما حدث، وفتحت النيران على أوسعها ودارت هناك المعركة المشهورة بالمدفعية دبابة لدبابة مدفع لمدفع حتى وصلت الاشتباكات المسلحة بين الفدائيين المتواجدين في الكرامة، والقوات المحمولة جوا، دارت معركة كبيرة وتكبدت إسرائيل فيها خسائر كبيرة اكثر بكثير مما خسرته على الجبهات العربية سنة 67 ، وبقي محطم على الأرض ما لا يقل عن مائة ناقلة ودبابة وغنمنا بعض الآليات السليمة تم تسليمها للقوات المسلحة وهدية لجلالة الملك، منها ناقلتان للقادة العسكريين المهاجمين بكافة معداتهم بما فيها الأجهزة اللاسلكية وهي للمرة الأولى تستطيع قوة عربية أن تغنم قسما من أسلحة العدو، بعد صمودنا وانتصارنا انتصارا كبيرا على قوات العدو، هذا الانتصار ولد فئة حاقدة على مشهور حديثة لأنها لم تحقق الانتصار، ولم تقاتل في فلسطين لم تستطيع أن تصل إلى مستوى المسؤولية ولم تستطيع أن تنسق بين الشعب الفلسطيني والشعب الأردني والقوات الفلسطينية والقوات الأردنية هناك أصبحت جبهة مقاومة ضد ما يقوم به مشهور حديثه، ولكنني صمدت وتم نقلي من الجبهة من قيادة الفرقة إلى القيادة العامة بعد المعركة بشهرين، وقد صور هذا النقل على انه مكافأة لي، وأصبحت أنا نائبا لرئيس هيئة الأركان، إلا أن مشهور حديثه لم يغير، سرت على نفس الخط وبالتنسيق مع القوات الفدائية لصالح الأردن ولصالح فلسطين وعمقت هذا الالتحام واصبحوا يقاتلوا من خلال القوات المسلحة الموجودة على كافة الجبهات، وتم التنسيق التام بيننا وبينهم وكان ذلك بمعرفة القيادة العامة وعلى رأسها جلالة الملك، لكن الحقائق أصبحت تزيف وبات ينظر إلى هذا العطف والتنسيق على انه خيانة وانه ليس لصالح الأردن بل ضد الأردن، حاولنا أن نثبت عكس ذلك وحاولنا أن نوقف هذا التآمر الكبير لكنه كان اكبر منا.

ثم عينت رئيسا للأركان في أوائل السبعين وسكرتيرا عسكريا في القصر الملكي من عام 69 حتى شهر آب من سنة 1970 بعدها أصبحت رئيسا لهيئة الأركان للقوات المسلحة كافة، وعندما نفدت كل المحاولات للتفاهم بيني وبين المنظمات الفلسطينية عن طريق الوساطة العربية وصلت إلى قناعة مفادها أن الصدام بيننا وبين المنظمات الفلسطينية واقع لا محالة، اعتزلت الخدمة، وقدمت استقالتي ليلا، وتم تعييني سكرتيرا عسكريا أي مستشار خاص لجلالة الملك .

"الحسين كان على اتصال دائم مع الميدان خلال معركة الكرامة"

الأسواق: نعود إلى معركة الكرامة أثناء احتدام المعارك هل تم طلب وقف إطلاق النار؟

أبلغت أن اليهود طلبوا وقف إطلاق النار للمرة الأولى واذكر أن جلالة الملك اتصل معي هاتفيا للاستفسار عن الموقف حوالي الساعة العاشرة وكان الموقف خطرا جدا لان القوات الإسرائيلية متواجدة ونحن مشتبكون معهم اشتباكا كبيرا فطمأنته أن الأمور جيدة مع أنها كانت خطرة ، وبعد الساعة الحادية عشرة اتصل معي شخصيا جلالة الملك وقال لي أن اليهود يطلبون وقف إطلاق النار إلا أن المعركة استمرت حتى الليل.

الأسواق : ما هي المواقف والقرارات الحرجة التي واجهتك أثناء معركة الكرمة بصفتكم القائد العسكري الميداني ؟

أول شئ واجهني أنني شعرت أنني المسبب لهذا الاصطدام فلو فشلت فسوف ادفع الثمن غاليا ولو نجحت ستكون الأمور جيدة للبلد ككل وإذا فشلت فسأدفع ثمن السياسة التي انتهجتها وسأتحمل مسؤولية الفشل لأنني أنا المسبب باصطدام القوات الإسرائيلية وما اكثر الأسباب ولكن بالتصميم والإيمان القوى انتصرنا.

الأسواق : هل هنالك قرار أثناء معركة الكرامة ندمت على عدم اتخاذه؟

القرار الذي ندمت عليه هو عدم قصف القوات الإسرائيلية المتواجدة في الكرامة التي كانت مشتبكة مع الفدائيين آنذاك خاصة القوات المنقولة حيث لم استطع أن اقصفها لأسباب فنية لان القوات المتواجدة والقريبة لم تستطع أن تقوم بذلك الواجب لأنه لم تم ذلك لحطمنا 12 طائرة موجودة على الأرض من طراز هليوكبتر لكن على العموم كانت معركة الكرامة جيشا لجيش إضافة إلى أن القوات الفدائية ساهمت مساهمة قوية في القتال وقدمت الضحايا الكثيرة ولها دور كبر وخاصة في قتال المشاة.

الأسواق: يلاحظ أن تقاعدكم من الجيش لم يبعدكم عن العمل الوطني هل لنا بالإطلالة كيف بدأت العمل بذلك؟

الإنسان لا ينتهي دوره إلا بعد أن يموت وكعسكري وجندي ساهم في اجتماعات كبيرة جدا واجتماعات تنسيقيه مع الزملاء في القوات العربية الأخرى. اعتقد أن دورة ينتهي ببساطة واعتقد انه من واجب من يحتل هذه المراكز كرئيس أركان بهذا الحجم يجب أن لا تنتهي بان يجلس في النوادي ويشرب القهوة ويسهر بالنوادي الليلية.

الأسواق : ما هي المهام التي أوكلتها لنفسك في حقل العمل العام بعد خروجك من العمل العسكري؟

أول مهنة لي كانت مسؤولية أولادي وهذه كانت مسؤولية كبيرة خاصة وانهم ما زالوا في ريعان الشباب وأمام التعليم وأمام التحدي، إما أن أستطيع أن أعلمهم وأثقفهم وأوصلهم إلى أعلى مستويات التعليم أو أبقى موظفا بسيطا لا أستطيع أن اعلم اكثر من واحد، فهذه أول مجابهة لي وأول مسؤولية، طبعا كان دخلي لا يتناسب وهذه الطموحات لذلك صممت أن استمر في الحياة لان الحياة لا تنتهي واستطعت أن ابرز في عدة أعمال تجارية وأستطيع الوقوف على قدمي واستطعت أن اعلم أولادي وبناتي كافة ، وهكذا استمريت ووجدت أن العمل الحر هو أيضا جزء من العمل في الحياة واستمرارا لخدمتي وكان عدد كبير من أصدقائي في الداخل والخارج يتعاونون معي واستطعت أن ابرز في هذا العمل وابرز وجودي وهذا أعطاني قوة ومنعة ودفعة للأمام.

الأسواق : ننتقل إلى مجالات العمل العام.. ما هي المهام التي كلفت نفسك بها بعد أن ثبت وضعك الاقتصادي واطمانيت عليه؟

كنت وما زلت أتعاطف وأساند قضية فلسطين وكنت على اتصال مع الحركة الوطنية الفلسطينية التي كانت تواجه الصعوبات في لبنان ولم اقطع صلتي بهم بتفاعل شخصي وتفاعل سياسي واستمريت بهذه المسؤوليات النضالية مع تفاعلهم حتى خرجوا من لبنان وعقدوا أول اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر وواظبت على حضور كافة النشاطات التي ادعى لها حتى استقرت المنظمة سياسيا في تونس وكنت أراهن منذ عام 1967 أن هؤلاء الشباب سينجحون ويصبحون قادة في فلسطين ونقلت قناعتي هذه إلى جلالة الملك شخصيا وقلت له ان قادة فلسطين هؤلاء الشباب وليس القيادات التقليدية وأنا افخر أن نظرتي كانت سليمة أن أبا عمار وزملاءه قادة النضال الفلسطيني وهم الان قادة فلسطين.

الأسواق : عرف عنك آيا نشاطك المكثف من اجل دعم العراق وإخراجه من محنته؟

العراق وطن كبير وأعطى كثيرا للقضية الفلسطينية والقضايا العربية ومن حقه علينا أن نقف إلى جانبه في محنته. وكما تعلم علاقتي بالعراق أو علاقتي بالقوات العراقي كانت أثناء تواجدهم في الأردن خلال الفترة الممتدة من عام 67 لغاية 70 ونمت علاقات شخصية بيني وبينهم من خلال تواجدهم لمساندة قضية الأردن وقضية فلسطين بقيت مشدودا للعراق من خلال القوات المسلحة لم أزر العراق كثيرا قبل ذلك ولم اعرف العراق إلا من خلال القوات المسلحة ولكن زيارتي الأولى كانت أيام عبد الكريم قاسم عام 62. فبقي حبي وتقديري للعراق كبيرا واستمر حتى هذه اللحظة، وقمت مع اخوة لنا بعد تشكيل ما سميناه التجمع القومي وهو أساسا لمساندة العراق، رئست أول وفد وذهبت للعراق وقابلت الرئيس صدام حسين بعد دخول قواته للكويت ووجدت انه من واجبنا وإيفاء من ما قدمه العراق في الساحة الفلسطينية وفي الساحة الأردنية أن نقف بجانب العراق ليس لأنه دخل الكويت ولكن لمواقفه السابقة الوطنية مما أوجب علينا أن نقف معه وان لا نخذله كما كان موقفنا مع الاخوة الفلسطينيين.

الأسواق : هل تفكرون في كتابة مذكراتكم لتكون عبرة للأجيال القادمة؟

أنت تقحمني أن اقرر وان أؤكد لك أنني بصدد كتابة هذه المذكرات التي هي ملك لوطني ولأمتي وسأعمل على ذلك قريبا إن شاء الله.

"كـنت في العـــراق عندما هدد عبد الكريم قاسم باحتلال الكويت"

الأسواق: من خلال بعض الصور الموجودة في مكتبكم يظهر انك قابلت العديد من الزعماء العرب فمتى كان ذلك؟

هناك صدفة كبيرة جدا تاريخية احب أن اذكرها هنا، عندما ذهبت مع وفد عسكري ليلة عزل شيخ الكويت من قبل عبد الكريم قاسم في عام 62 كنت اجلس في حفل استقبال في بغداد، وكنت أيضا سنة 90 في العراق لمقابلة صدام بعد دخول الكويت وأنا لا اعرف ما هذه الصدفة ولكن هذه الصدفة تاريخية، طبعا كنت احضر اكثر من مؤتمر قمة في القاهرة وجلسنا مع المرحوم عبد الناصر كثيرا خاصة في القمة الخامسة في القاهرة.

الأسواق : بعد هذا الزمن الحافل في العمل ما هي الحكمة التي وصلتم إليها؟

أولا أن لا نهاية لخدمة وطن ولخدمة قضية ان العمل مهما امتد ومهما امتد العطاء يجب أن نؤمن أن امتنا أمة عريقة كبيرة وان لا بد لها أن تنهض مرة ثانية لنثبت على الخارطة بأنها هي أمة العز وأنها خير أمة أخرجت للناس، واعتقد أن صمودنا أعطانا قوة كبيرة ومن واجبنا بهذا السن وبعد مرور هذه المحطات الكبيرة أن ننقل هذه الرسالة وهذه الراية إلى الجيل القادم ولا زلنا نفخر بأننا نطالب ونناضل من اجل رفع الحصار عن الشعب العراقي، كما أننا نطالب أيضا رفع الحصار المفروض على العراق هذه المطالبات كلها هي مطالبات قومية اعتقد أنها واجبات كل إنسان عربي وأنا افتخر بان اقف بهذا الخندق القوي مع قضايانا العربية ، ونحن الان كما وقفنا ونقف بجانب الشعب الفلسطيني وبجانب قيادته ممثلة بالأخ الكبير أبو عمار بنضالاته وبتحقيقه المتواصل بتحرير ارض فلسطين وقرى فلسطين في الضفة العربية قرية قرية، وأنا فخور أيضا بأنه حقق بعكس ما كان يقال غزة وأريحا أولا وأخيرا، هذا كان حقيقة نصرا كبيرا لقضية فلسطين وللقيادة.
 

للأعلى


 

 
 
 
 

تم تطوير و تصميم الموقع من قبل برايموس - جزء من شـركة عبر الكمبيوتر للاتصـالات
 كل الحقوق محفوظة 20088